المدخل
لدراسة العلوم القانونية-منقول-
أولاً
: تحديد معنى القانون :-
للقانون
معانٍ متعددة فهو لفظ يفيد النظام , والنظام معناه أن تسير الأمور على وجه مستمر
ومستقر وثابت, وبوجه عام صار يطلق على كل ما يفيد النظام والترتيب والاطراد, بحيث
إذا تكررت حالة أو ظاهرة معينة بشكل منتظم يقال أنها تخضع لحكم القانون .
ويدل
اصطلاح القانون على كل قاعدة مطردة ومستقرة ويفهم منها نتائج معينة, فيقال قانون
الغليان وقانون الجاذبية والقوانين في علم الفيزياء وغيرها .
إلا
أنه في مجال الدراسات القانونية يستخدم لفظ القانون بمعناه العام ( بأنه مجموعة
القواعد القانونية التي تنظم سلوك الأفراد في الجماعة, والتي يتعين عليهم الخضوع
لها واحترامها بما لها من جزاء يوقع على
من يخالفها ) .
ثانياً
: تحليل القانون :-
لما
كان القانون يتكون من مجموعة قواعد قانونية, فإن القاعدة القانونية هي الخلية
الأساس للقانون, لذلك يتطلب القانون فهم معنى القاعدة القانونية, وخصائصها,
ونطاقها الاجتماعي وأنواعها .
1-
تعريف القاعدة القانونية وخصائصها :-
تعرف
القاعدة القانونية بأنها : (( قاعدة ملزمة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع وتقترن
بجزاء مادي توقعه السلطة العامة على من يخالفها )) .
إلا
أنه ذهب جانب آخر من الفقه إلى عدم اعتبار الجزاء من عناصر القاعدة القانونية
فعرفها (( القاعدة المجردة التي تلزم مراعاتها لأنها تهدف إلى كفالة النظام
الاجتماعي))
ونحن
نأيد هذا التعريف الأخير الذي لا يعتبر الجزاء عنصر من عناصر القاعدة القانونية
لأن الجزاء لا يطبق إلا إذا تمت مخالفة القاعدة القانونية وقد توجد قواعد قانونية
لا يترتب عليها جزاء محدد, فالقاعدة القانونية موجودة قبل وجود الجزاء ويطبق
الجزاء عند مخالفتها فهو أثر لمخالفة القاعدة القانونية, وليس ركناً فيها .
خصائص
القاعدة القانونية :-
تحدد
خصائص القاعدة القانونية بما يأتي :-
-
قاعدة سلوك
-
قاعدة اجتماعية
-
قاعدة عامة مجردة
-
قاعدة واجبة الاتباع
1-
قاعدة سلوك : القاعدة القانونية وجدت لتنظيم السلوك الخارجي للأفراد داخل
الجماعة بشكل يكفل النظم الاجتماعية, أم نشاط الأفراد الداخلي من أمنية ورغبة فلا
يخضع للقانون .
ولكن
تهتم القاعدة القانونية بالدوافع والنوايا إذا كان لها علاقة بسلوك خارجي كالتفكير
بالسرقة أو القتل, فمن يسرق أو يقتل بعد تفكير وتبيت نية لا يعامل أمام القانون
كمن قتل دفاعاً عن النفس أو المال ودون تفكير بالجريمة ولا توقع عليه نفس العقوبة
لأنه أرتكب الجريمة وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه وعن ماله .
وفي
مجال الالتزمات يؤثر سوء وحسن النية على احكام الالتزامات فمن يفكر بسوء نية
وبتغرير أو إكراه أو استغلال لا يقع تحت طائلة القانون ما لم يقم بنشاط خارجي مبني
على هذا التفكير .
وتعتبر
قواعد سلوك لأنها تحدد سلوك الافراد في الجماعة صراحة أو ضمنا, فالقواعد التي
تتضمن أمراً ونهياً عن اقتراف جرائم معينة أو التي تأمر الزوج بالنفقة على زوجته
جميعها تحدد سلوك الافراد في الجماعة .
2-
القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية :-
القاعدة
القانونية لا توجد إلا حيث توجد الجماعة, وذلك لأن الغرض من القواعد القانونية
تنظيم روابط الجماعة, وإذا كانت القاعدة القانونية قاعدة سلوك يأتمر بها الافراد,
فمن هذا لا توجد القاعدة القانونية إلا حيث يكون هناك مجتمع, لذلك فالقاعدة
القانونية هي قاعدة اجتماعية .
وباختلاف
المجتمعات من بيئة إلى أخرى, لابد أن يخلق اختلاف في القواعد القانونية من دولة
لأخرى فالقانون الذي يصلح في فرنسا لا يصلح أن يطبق عندنا أو في البلاد الأسلامية
.
و
حتماً وتطور المجتمع في البيئة الواحدة أيضاً يخلق اختلاف في القواعد القانونية من
عصر إلى عصر ويخلق قواعد قانونية جديدة تواكب هذا التطور الطبيعي للمجتمع .
3-
القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة :-
التجريد
والعموم صفتان تثبتان لكل قاعدة قانونية, ومن هنا كانت القاعدة القانونية عامة
ومجردة .
ويراد
بالتجريد... أن يوجه الخطاب في القاعدة القانونية على الأشخاص بصفاتهم, فالقاعدة
القانونية لا تخاطب شخص بعينه, ولا تتناول القاعدة القانونية الوقائع بشروطها, فهي
لا توضع لتطبق على واقعة بعينها, وإنما على كل واقعة تتكرر إذا توافرت شروط
تطبيقها .
وبعبارة
أخرى فإن القواعد القانونية تطبق على الأفراد بصفاتهم لا بذواتهم, وتعالج الوقائع
بشروطها لا بذواتها, فتصبح ذلك عامة في تطبيقها .
ومثال
ذلك نص المادة 42 من مشروع القانون المدني الفلسطيني (( تبدأ شخصية الإنسان بتمام
ولادته حياً, وتنتهي بموته )) فهذه القاعدة تنطبق على جميع الأفراد فمنذ ولادة
الفرد تبدأ شخصيته القانونية طبقاً لهذه القاعدة .
ولا
ينفي صفة التجريد عن القاعدة القانونية مخاطبتها فئة من فئات المجتمع, كالقواعد
المنصوص عليها في قانون العمل, لأنها تطبق على كل شخص تتوافر فيه شروط تطبيق
القاعدة القانونية .
وقد
تخاطب القاعدة القانونية شخصاً واحداً ومع ذلك لا تفقد صفة التجريد, مثل القواعد
التي تبين مركز رئيس الدولة, لأن هذه القواعد تخاطبه بصفته ليس بذاته وتطبق على من
يأتي بعده في نفس المنصب .
ويترتب
على وصف القاعدة القانونية بالتجريد تحقق مبدأ الناس سواسية أمام القانون,
فالتجريد يجعل القاعدة القانونية تحقق هدفها المتمثل في العدل والمساواة فيما بين
المخاطبين بها .
4-
القاعدة القانونية واجبة الاتباع :-
القاعدة
القانونية وجدت لتنظم العيش في الجماعة وتكفل استقرارها ولا يتم ذلك إذا ترك الأمر
إلى إرادة الأفراد فلا بد من اقتران القواعد القانونية بالجزاء للإجبار على
اتباعها.
ويقصد
بالجزاء بأنه ضرر يصيب الإنسان في جسمه أو في ماله, ويترتب على عدم اتباع الأوامر
والنواهي التي وردت في القواعد القانونية .
أنواع
الجزاء :-
يختلف
الجزاء باختلاف انواع القواعد القانونية المخالفة, كما يأخذ درجات متفاوتة من حيث
الشدة تتناسب مع أهمية الموضوع المنظم من القواعد القانونية وهو :-
الجزاء
الجنائي : وهو الجزاء الذي يطبق على من لا يحترم خطاب قواعد قانون العقوبات,
وتتدرج العقوبة حسب تدرج خطورة الفعل, فإذا ارتكب مخالفة تكون العقوبة خفيفة,
وتكون العقوبة أشد في حالة ارتكاب الجنحة وتكون أكثر شدة في حالة الجناية فقد تصل
إلى الإعدام, وقد تقع العقوبة في شكل غرامة أو مصادرة, وبالتالي يتفاوت الجزاء
الجنائي فقد يقع على البدن كعقوبة الإعدام أو الحبس أو على الأموال كالغرامة أو
المصادرة .
الجزاء
المدني : الجزاء في المجال المدني يقع على من يخالف قواعد القانون المدني وصور
الجزاء المدني هي :
أ-
التنفيذ المباشر
ب-
إعادة الحال إلى ما كان عليه
ج-
التعويض .
الجزاء
الإداري : يتحقق الجزاء الإداري إذا خالف الشخص القانون الإداري, ويختلف الجزاء
حسب خطورة المخالفة حيث يتراوح بين الإنذار واللوم أو الحرمان من الترقية, أو
الفصل من الخدمة .
أقسام
القانون وأنواع القواعد القانونية
أولاً
:- أقسام القانون وفروعه .
ينقسم
القانون إلى عدة تقسيمات, نظراً للتباين بين قواعده وذلك على الشكل التالي :-
1-
من حيث نطاقه الإقليمي إلى داخلي وخارجي :-
أ-
القانون الداخلي : ينظم الروابط الاجتماعية المتعلقة بالسيادة الداخلية, وتنظم
العلاقة بين الافراد والدولة داخل حدود الدولة .
ب-
القانون الخارجي : ينظم علاقات الدولة الخارجية, وعلاقة الدولة وغيرها من الدول في
المجتمع الدولي .
2-
من حيث الروابط التي ينظمها إلى عام وخاص : وهو التقسيم الأكثر أهمية في الوقت
الحاضر.
3-
من حيث تقيد القاعدة القانونية لإرادة المخاطبين بها إلى قواعد أمرة ( ناهية)
وقواعد مكملة ( مفسرة ) .
4-
من حيث الشكل الت تظهر فيه إلى قواعد قانون مكتوب وقواعد قانون غير مكتوب ( وهو
القانون العرفي الغير صادر من السلطة التشريعية ولكن تعارف عليه الناس ) .
5-
من حيث الموضوع إلى قانون موضوعي وقانون شكلي, فقواعد القانون الموضوعية
تبين الحقوق والواجبات التي على الأفراد, والقانون الشكلي يحدد طريقة المحافظة على
هذه الحقوق مثل قانون المرافعات المدنية والتجارية .
*
نأخذ من هذه التقسيمات تقسيم القانون إلى قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص, وذلك
لاستقرار أغلب الفقه القانوني على هذا التقسيم .
1-
تقسيم القانون إلى عام وخاص :-
تعريف
القانون العام : هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقة التي تكون الدولة أو أحد
الأشخاص العامة طرفاً فيها باعتبارها صاحب سلطان
تعريف
القانون الخاص : هو مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم أو
بين الأفراد والدولة إذا كانت كشخص عادي لا باعتبارها سلطة عامة, كما يشمل اصطلاح
الفرد ليشمل الأشخاص المعنوية الخاصة كالشركات والجمعيات .
يتبين
من هذان التعريفان أن الدولة إذا كانت طرف في العلاقة القانونية باعتبارها صاحب
سلطان وسيادة " كأن تفرض ضريبة معينة على الأفراد " كانت العلاقة محكومة
بقواعد القانون العام, أم إذا كانت العلاقة بين الأفراد العادين والدولة كطرف غير
صاحب سلطان أو سيادة " كأن تأجر أحد محلات مملوكة لها أو تشتري أرض لبناء
مستشفي أو غيرها من أحد الأفراد " تكون العلاقة محكومة بقواعد القانون الخاص
.
معيار
التفرقة بين القانون العام والخاص :-
حاول
الفقهاء وضع معيار للتفرقة بين قسمي القانون, إلا أنهم لم يتفقوا على هذه المعيار,
ومن أهم المعاير التي أوردها الفقهاء ما يلي :-
أ-
أطراف العلاقة : يرى البعض أن العلاقة إذا كان الخطاب موجهاً للدولة في
علاقتها مع الأفراد أو الدول والمنظمات الأخرى, أطلق عليه قانون عام, أما إذا كان
الخطاب موجه للأفراد فيما بينهم أطلق عليه قانون خاص .
أنتقد
هذا المعيار بأن الدولة في كثير من المعاملات تدخل طرف كفرد عادي وليس
بوصفها صاحبة سيادة ويطبق عليها القانون الخاص كأن تستأجر مبني من أحد الأفراد
لاستخدامه مدرسة فهي علاقة تخضع للقانون الخاص .